قد أبدو متجاوزا و أنا أسوق هذا الرأي الذي قد يبدو غريبا للبعض و ربما مستهجنا
الديمقراطية في رأيي رداء لا يأتي علي مقاسنا و لن تكون طريقنا إلي تحقيق واقع سياسي معافي و بناء الوطن الذي نحلم به
ليس لقصور أو عيب فيها
و ليس لأنها أقل من أن تقودنا لذلك
و لكننا أضعف نسيجا من أن نقود بها أنفسنا لبلوغ ذلك
دائما ما نتشدق بالديمقراطية و ضرورة أن تكون هي الأساس لبناء الوطن و جميع أحزابنا السياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار ترفع هذا الشعار و لكن الأمر في مجمله لا يعدو كونه محض تنظير و شعارات جوفاء
نحن عند التعاطي الواقعي المباشر مع الديمقراطية نفشل فشلا ذريعا لأننا بتركيبتنا الإجتماعية و السياسية أبعد ما نكون عن نهجها و لا نقوي علي تحمل تبعات تطبيقها بشكلها الصحيح.
الديمقراطية ليست مفهوما سياسيا أو نهجا للحكم كما قد يظن البعض
هي قبل كل ذلك و في المقام الأول ثقافة مجتمع و أسلوب حياة
الديمقراطية في الغرب لا تمارس فقط كنهج للحكم بل هي ثقافة حياتية و ممارسة يومية و منظومة مترابطة من القيم الراسخة
فهؤلاء القوم لم يتشربوا الديمقراطية بين عشية و ضحاها بل هي نتاج قناعة راسخة لسنوات طوال من التطور الإجتماعي و الثقافي
و هذا ليس إنبهارا بالغرب أو دعاية له بقدر ما هو تقرير لحقيقة موضوعية لا يختلف عليها إثنان
و في المقابل أنا لا أدافع عن الشمولية أو نظام الحزب الواحد فهذه أكبر كارثة يمكن أن تبتلي بها الشعوب
أنا هنا أحاول أن أسوق رأيا موضوعيا قد يقبله البعض و سيرفضه الكثيرون
و دعونا نتامل بداية و بقليل من التعمق حال واقعنا الإجتماعي في السودان
و لن أطيل الحديث هنا فالحال معلوم للجميع
نحن نعيش في وطن يضم بين دفتيه قوميات متعددة تمتد ما بين الأثنية الزنجية في الجنوب
و قوميات تدعي الإنتماء للعروبة في الشمال و الوسط و بالتالي فهي تتعالي علي ما سواها من القوميات
و قوميات أخري في الغرب و الشرق تعاني إحساسا عميقا بالتهميش و بالغبن تجاه الشمال و الوسط
هذا الواقع المعقد أدي الي تزعزع أركان الشعور بالوحدة القومية تجاه الوطن الجامع و هو السودان و في المقابل بروز نزعات إنفصالية تهدد وحدة هذا الوطن
كل هذه المعطيات من شانها تقويض أركان النظام الديمقراطي الذي يقوم أساسا علي مجموعة من الثوابت أهمها الوحدة الوطنية الراسخة و إيمان كل القوميات بهذه الوحدة.
فأمريكا مثلا و التي هي عبارة عن مجموعة من القوميات المتناقضة أساس قوة نظامها الديمقراطي ينبع من حرص هذه القوميات علي وحدتها الوطنية و تمتعها جميعها بلا استثناء بمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص الذي تكفله حقوق المواطنة و فوز أوباما برئاستها هو خير شاهد علي ذلك.
و في ذات السياق دعونا نتأمل حال واقعنا السياسي و حال أحزابنا التي تتشدق بإعتناقها للديمقراطية كأساس للحكم
كيف لنا أن نؤسس لنهج ديمقراطي سليم في ظل أحزاب لا تتمتع علي مستوي مؤسساتها بأي هامش للديمقراطية و مبدأ تكافؤ الفرص.
أحزاب تحولت إلي أملاك إحتكارية لأسر بعينها تتوارث زعامة هذه الأحزاب منذ الاستقلال
فالزعامة و الصفوف الاولي فيها مكرسة و محتكرة لذات الوجوه منذ عقود من السنوات و الحزبان الكبيران هما في جوهر الأمر مؤسسات طائفية تدار تماما كما الأملاك و العقارات بواسطة البيتين الكبيرين في أمدرمان و الخرطوم بحري
فكيف لفاقد الشئ أن يعطيه
و من الجانب الآخر هناك أحزاب لا تحتمل التعايش مع أي شكل من أشكال الديمقراطية أو إحترام الرأي الآخر
فالحزب الحاكم يعتمد إقصاء الرأي الآخر و تهميشه كمبدا أساسي في الحكم و في توزيع الفرص و لا يعترف بأي من خصومه من الأحزاب التقليدية أو التقدمية بل يحاول و بكل السبل تفتيتها و شق صفوفها في تحد سافر لابسط قواعد الديمقراطية و أخلاقياتها.
ثم لنستقرئ تاريخ الديمقراطية في السودان و فيه سنلمس مدي البون الشاسع بين تاريخنا السياسي و مبادئ الديمقراطية
السودان عايش منذ الإستقلال ثلاث فترات ديمقراطية
الفترة الأولي بدات بعد الإستقلال و انتهت بانقلاب نوفمبر 1958 بواسطة إبراهيم عبود
الفترة الثانية جاءت بعد إكتوبر 1964 و انتهت بإنقلاب جعفر نميري في مايو 1969
أما آخر الفترات فكانت بعد أبريل 1985 و انتهت بإنقلاب البشير في يونيو 1989
و في الثلاث فترات كانت الاحزاب السياسية التي تتشدق بالديمقراطية هي من قام بتقويض الديمقراطية بدعمها للإنقلابات العسكرية
حزب الأمة هو من قام بالإيعاز للعسكر باالإنقلاب علي الديمقراطية الأولي في نوفمبر 1958
و الحزب الشيوعي رغم نفي قياداته لذلك هو من قام بدفع العسكر للإنقلاب علي الديمقراطية الثانية في مايو 1969
و أخيرا حزب المؤتمر الوطني او الجبهة الإسلامية القومية في ذلك الحين هو من قام بتدبير الإنقلاب علي الديمقراطية الثالثة في يوليو 1989
و استطيع أن اجزم بأن أحزابنا السياسية لن تألوا جهدا في تكرار ذات السيناريوهات السابقة لو إتيحت لها الفرصة فالديمقراطية لم و لن تكون من أولويات هذه الأحزاب بأي حال من الأحوال و إنما هي في حقيقة الأمر
محض شعارات يلوكها الساسة و الخطباء و يدلقونها في اضابير أدبيات أحزابهم.
فكيف سننتظر من هذه الأحزاب أن تكون أمينة علي الديمقراطية و هذا هو تاريخها و لن يكون حاضرها و مستقبلها بأفضل من ذلك بأي حال
ثم نأتي للناخب الذي ننتظر منه أن يتفاعل و يتعاطي مع الديمقراطية كنهج مؤسس يقود إلي رفاهيته و حفظ حقوقه الأساسية و المكفولة بالمواطنة
و تبرز هنا حقيقة صادمة و مؤلمة في آن
الناخب عندنا في الغالب يفتقد النضج السياسي الذي يتيح له التمحيص و المفاضلة بين الخيارات السياسية المتاحة امامه
فهو لا يشغل نفسه كثيرا بالطرح السياسي بل يهمه في المقام الأول التصويت لإنجاح أشخاص أو كيانات سياسية محددة و غالبا ما يكون الولاء لها مثوارثا
و هذا ما يفسر تكرار نفس الوجوه في كثير من الدوائر الإنتخابية مهما تقادمت السنين
لست متشائما و لن استبق الاحداث حين اجزم بأن الإنتخابات القادمة سيتكرر فيها ذات السيناريو كما في التجارب الثلاث السابقة
... ناخبين يدينون بالولاء لأسماء و كيانات بعينها و ليس لطروحات سياسية واضحة و صادقة
و أحزاب سباسية تفتقر لأبسط قواعد الممارسة الديمقراطية الناضجة بل هي علي أتم الإستعداد للإنقضاض عليها و تقويضها متي ما كان ذلك سيتيح لها الإنفراد بحكم البلاد
ما لم تتغير كل هذه المعطيات التاريخية و الإجتماعية و السياسية فإن إفتراضنا بأن الديمقراطية ستقودنا إلي ما نصبو إليه من وطن نؤمن به و يسعنا جميعا سيكون تماما كمن يحاول عبور تيار نهر جارف علي مركب من ورق.
الديمقراطية في رأيي رداء لا يأتي علي مقاسنا و لن تكون طريقنا إلي تحقيق واقع سياسي معافي و بناء الوطن الذي نحلم به
ليس لقصور أو عيب فيها
و ليس لأنها أقل من أن تقودنا لذلك
و لكننا أضعف نسيجا من أن نقود بها أنفسنا لبلوغ ذلك
دائما ما نتشدق بالديمقراطية و ضرورة أن تكون هي الأساس لبناء الوطن و جميع أحزابنا السياسية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار ترفع هذا الشعار و لكن الأمر في مجمله لا يعدو كونه محض تنظير و شعارات جوفاء
نحن عند التعاطي الواقعي المباشر مع الديمقراطية نفشل فشلا ذريعا لأننا بتركيبتنا الإجتماعية و السياسية أبعد ما نكون عن نهجها و لا نقوي علي تحمل تبعات تطبيقها بشكلها الصحيح.
الديمقراطية ليست مفهوما سياسيا أو نهجا للحكم كما قد يظن البعض
هي قبل كل ذلك و في المقام الأول ثقافة مجتمع و أسلوب حياة
الديمقراطية في الغرب لا تمارس فقط كنهج للحكم بل هي ثقافة حياتية و ممارسة يومية و منظومة مترابطة من القيم الراسخة
فهؤلاء القوم لم يتشربوا الديمقراطية بين عشية و ضحاها بل هي نتاج قناعة راسخة لسنوات طوال من التطور الإجتماعي و الثقافي
و هذا ليس إنبهارا بالغرب أو دعاية له بقدر ما هو تقرير لحقيقة موضوعية لا يختلف عليها إثنان
و في المقابل أنا لا أدافع عن الشمولية أو نظام الحزب الواحد فهذه أكبر كارثة يمكن أن تبتلي بها الشعوب
أنا هنا أحاول أن أسوق رأيا موضوعيا قد يقبله البعض و سيرفضه الكثيرون
و دعونا نتامل بداية و بقليل من التعمق حال واقعنا الإجتماعي في السودان
و لن أطيل الحديث هنا فالحال معلوم للجميع
نحن نعيش في وطن يضم بين دفتيه قوميات متعددة تمتد ما بين الأثنية الزنجية في الجنوب
و قوميات تدعي الإنتماء للعروبة في الشمال و الوسط و بالتالي فهي تتعالي علي ما سواها من القوميات
و قوميات أخري في الغرب و الشرق تعاني إحساسا عميقا بالتهميش و بالغبن تجاه الشمال و الوسط
هذا الواقع المعقد أدي الي تزعزع أركان الشعور بالوحدة القومية تجاه الوطن الجامع و هو السودان و في المقابل بروز نزعات إنفصالية تهدد وحدة هذا الوطن
كل هذه المعطيات من شانها تقويض أركان النظام الديمقراطي الذي يقوم أساسا علي مجموعة من الثوابت أهمها الوحدة الوطنية الراسخة و إيمان كل القوميات بهذه الوحدة.
فأمريكا مثلا و التي هي عبارة عن مجموعة من القوميات المتناقضة أساس قوة نظامها الديمقراطي ينبع من حرص هذه القوميات علي وحدتها الوطنية و تمتعها جميعها بلا استثناء بمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص الذي تكفله حقوق المواطنة و فوز أوباما برئاستها هو خير شاهد علي ذلك.
و في ذات السياق دعونا نتأمل حال واقعنا السياسي و حال أحزابنا التي تتشدق بإعتناقها للديمقراطية كأساس للحكم
كيف لنا أن نؤسس لنهج ديمقراطي سليم في ظل أحزاب لا تتمتع علي مستوي مؤسساتها بأي هامش للديمقراطية و مبدأ تكافؤ الفرص.
أحزاب تحولت إلي أملاك إحتكارية لأسر بعينها تتوارث زعامة هذه الأحزاب منذ الاستقلال
فالزعامة و الصفوف الاولي فيها مكرسة و محتكرة لذات الوجوه منذ عقود من السنوات و الحزبان الكبيران هما في جوهر الأمر مؤسسات طائفية تدار تماما كما الأملاك و العقارات بواسطة البيتين الكبيرين في أمدرمان و الخرطوم بحري
فكيف لفاقد الشئ أن يعطيه
و من الجانب الآخر هناك أحزاب لا تحتمل التعايش مع أي شكل من أشكال الديمقراطية أو إحترام الرأي الآخر
فالحزب الحاكم يعتمد إقصاء الرأي الآخر و تهميشه كمبدا أساسي في الحكم و في توزيع الفرص و لا يعترف بأي من خصومه من الأحزاب التقليدية أو التقدمية بل يحاول و بكل السبل تفتيتها و شق صفوفها في تحد سافر لابسط قواعد الديمقراطية و أخلاقياتها.
ثم لنستقرئ تاريخ الديمقراطية في السودان و فيه سنلمس مدي البون الشاسع بين تاريخنا السياسي و مبادئ الديمقراطية
السودان عايش منذ الإستقلال ثلاث فترات ديمقراطية
الفترة الأولي بدات بعد الإستقلال و انتهت بانقلاب نوفمبر 1958 بواسطة إبراهيم عبود
الفترة الثانية جاءت بعد إكتوبر 1964 و انتهت بإنقلاب جعفر نميري في مايو 1969
أما آخر الفترات فكانت بعد أبريل 1985 و انتهت بإنقلاب البشير في يونيو 1989
و في الثلاث فترات كانت الاحزاب السياسية التي تتشدق بالديمقراطية هي من قام بتقويض الديمقراطية بدعمها للإنقلابات العسكرية
حزب الأمة هو من قام بالإيعاز للعسكر باالإنقلاب علي الديمقراطية الأولي في نوفمبر 1958
و الحزب الشيوعي رغم نفي قياداته لذلك هو من قام بدفع العسكر للإنقلاب علي الديمقراطية الثانية في مايو 1969
و أخيرا حزب المؤتمر الوطني او الجبهة الإسلامية القومية في ذلك الحين هو من قام بتدبير الإنقلاب علي الديمقراطية الثالثة في يوليو 1989
و استطيع أن اجزم بأن أحزابنا السياسية لن تألوا جهدا في تكرار ذات السيناريوهات السابقة لو إتيحت لها الفرصة فالديمقراطية لم و لن تكون من أولويات هذه الأحزاب بأي حال من الأحوال و إنما هي في حقيقة الأمر
محض شعارات يلوكها الساسة و الخطباء و يدلقونها في اضابير أدبيات أحزابهم.
فكيف سننتظر من هذه الأحزاب أن تكون أمينة علي الديمقراطية و هذا هو تاريخها و لن يكون حاضرها و مستقبلها بأفضل من ذلك بأي حال
ثم نأتي للناخب الذي ننتظر منه أن يتفاعل و يتعاطي مع الديمقراطية كنهج مؤسس يقود إلي رفاهيته و حفظ حقوقه الأساسية و المكفولة بالمواطنة
و تبرز هنا حقيقة صادمة و مؤلمة في آن
الناخب عندنا في الغالب يفتقد النضج السياسي الذي يتيح له التمحيص و المفاضلة بين الخيارات السياسية المتاحة امامه
فهو لا يشغل نفسه كثيرا بالطرح السياسي بل يهمه في المقام الأول التصويت لإنجاح أشخاص أو كيانات سياسية محددة و غالبا ما يكون الولاء لها مثوارثا
و هذا ما يفسر تكرار نفس الوجوه في كثير من الدوائر الإنتخابية مهما تقادمت السنين
لست متشائما و لن استبق الاحداث حين اجزم بأن الإنتخابات القادمة سيتكرر فيها ذات السيناريو كما في التجارب الثلاث السابقة
... ناخبين يدينون بالولاء لأسماء و كيانات بعينها و ليس لطروحات سياسية واضحة و صادقة
و أحزاب سباسية تفتقر لأبسط قواعد الممارسة الديمقراطية الناضجة بل هي علي أتم الإستعداد للإنقضاض عليها و تقويضها متي ما كان ذلك سيتيح لها الإنفراد بحكم البلاد
ما لم تتغير كل هذه المعطيات التاريخية و الإجتماعية و السياسية فإن إفتراضنا بأن الديمقراطية ستقودنا إلي ما نصبو إليه من وطن نؤمن به و يسعنا جميعا سيكون تماما كمن يحاول عبور تيار نهر جارف علي مركب من ورق.