سيمولوجيا الإستعلاء و الإكزينوفوبيا


السياق التالي بات مألوفا لنا تماما كوجوهنا التي نقابلها في المرآة كل صباح
From: somearab@arab.arab

اضحك مع الشعب السوداني الشقيق..




سوداني جالس مع لبنانيات سألوه : ايش جلسك مع الورد ؟ قال : والورد ماداير سماد ؟


 سوداني جاله ولد أبيض عيونه زرق شعره أشقر سماه... المستحيل بزاتو.

 سوداني جاله شلل .. مادرى إلا بعد ثلاثة أيام.

 سوداني كسلان شاف ولده يغرق قال الولد : إنقذني .. قال له أبوه : ماداير تموت شهيد ؟.
سوداني مات ليش ؟ ماله خلق يتنفس.


سودانين سرقوا بنك تعيجزوا يعدوا الفلوس .. قالوا آآي بكره نعرف من الجرايد.
سودانين قاعدين يفكرون قال واحد : ياليت في زر يجيب العالم كله .. قال اللي معه .. بس مين يضغط الزر.

 نهاية السياق




و من ثم


أما قبل ...
و أما الآن ...
و أما بعد ...


هل هذا الخطاب الإستعلائي المغلف ببعض المحسنات الفكاهية ليسهل بلعه هو الشكل الحقيقي للصورة الذهنية للسودانيين في الخطاب الإجتماعي العربي السائد ؟؟؟؟؟؟؟؟


سيكون مدخلنا بسيميولوجية العنوان ثم سنلج إلي السياق تباعا لسبر أغوار هذا الخطاب.


يشكل العنوان العتبة الأولي لأي نص و بذلك فهو الذي يشحذ في المتلقي الرغبة في مواصلة تداول النص أو العدول عن ذلك بما يثيره من مقاربات أو توليدات أو إسقاطات دلالية في ذهن المتلقي.
و سأجزم بأن عنوان السياق المعني هنا نجح في حشد الدلالات في ذهن المتلقي (بعض الآخر العربي علي الأقل)


و بغض النظر عن صحة هذه الدلالات أو مشروعيتها أخلاقيا و إنسانيا فهي تبقي دلالات مترسخة موضوعيا في هذه الذهنية.


أضحك مع الشعب السوداني الشقيق


العنوان عبارة عن جملة فعلية تبدأ بفعل أمر ... أضحك


و فعل الأمر في اللغة يفيد الوجوب و التشديد ... و هو في العنوان يفيد و جوب الضحك و التشديد عليه


كما أن العنوان يقول بتوفر صيغة المعية (مع) بين الضحك و الشعب السوداني أي أن الكاتب يتواطأ مع عنوانه علي وجود قرينة دلالية أكيدة في ذهن المتلقي بين الضحك و السودانيين


كأن نقول مثلا


أضحك مع جحا ... أو ... أضحك مع شارلي شابلن أو (أبو قبورة)


و الآخر هنا يلتف علي الواقع الذي يريد طرحه (الإرتباط الدلالي المتلازم بين الضحك و الشعب السوداني) من خلال دبلوماسية العنوان بالإتيان به بصيغة المعية (مع السودانيين) حتي يأتي العنوان لطيفا لينزلق بسهولة عبر حلق المتلقي


فلو أتي العنوان مثلا بصيغة الجار و المجرور ( أضحك في (أو علي) الشعب السوداني) فسيكون إستعلائيا مباشرا مما سيثير إستنكار الآخر المقابل (الشعب السوداني)


و العنوان يأتي كذلك حاملا حميمية مصطنعة من قبل الآخر ...


فتعبير الشعب السوداني الشقيق هو محاولة مكشوفة و لا تدعم مصداقيتها أي حيثيات للإيحاء للشعب السوداني بوحدة الإنتماء و إنتفاء أي شكل من أشكال الإستعلاء العرقي أو الثقافي.


و إجمالا فالآخر يسوق العنوان هنا بصيغة تدعي الحميمية لتنفي الإستعلاء الخطابي المبطن تجاه الآخر المقابل و يحاول من خلال هذه الصيغة الجمع بين مستويين خطابيين مختلفين. مستوي خطابي أول تجاه الآخر نفسه لإثارة إنتباهه بحشد دلالات ذهنية مترسخة لديه. و مستوي خطابي ثاني متلطف و أملس تجاه الآخر المقابل بقصد أن تنطلي عليه لزوجة هذا الخطاب و إستعلائه.


لاحظ التناص التام هنا بين النص (1) و النص (2)


فرغم تباين الحبكة الفكاهية في (1) و (2) فكلا الحبكتان ترتكزان علي مفارقة أساسية متكررة و مقابلة دلالية مركزية واحدة و هي الأسود الدوني مقابل الأبيض النقي


كما يلي


(1)
أسود (دوني) ....... أبيض (نقي)


سوداني (دوني) ....... لبنانيات (نقي)


سماد (دوني) ....... ورد (نقي)


(2)


أسود (دوني) ....... أبيض (نقي)


سوداني (دوني) ....... إبن السوداني (أبيض نقي إستثنائيا)


عيون غير زرق (دوني) ....... عيون زرق (نقي)


شعر أكرت أو غير أشقر (دوني) ....... شعر أشقر (نقي)


هنا يطل السؤال


لماذا يتواطأ العربي( الأبيض) و هو الطرف النقي المفترض للمفارقة الدلالية في هذا الخطاب علي إختيار السوداني (الأسود) تحديدا و دون غيره من الشعوب ليمثل الطرف الدوني لذات المفارقة ؟؟؟؟


و هنا تكمن الإجابة


السوداني يمثل بالنسبة للعربي دخيلا عليه و مزاحما له في عروبته (نقائه المتوهم) حسب تصور العربي. فمسألة عروبة السودان مازالت تشكل جدلية مقيمة بين القائلين بذلك و المعارضين و لن أحاول هنا الخوض في هذه الجدلية لإثبات صحتها أو العكس فهذا شأن آخر سيعبر بنا إلي ضفة أخري تسوقنا بعيدا عن سياق هذا الحوار.
و إن كانت هذه الجدلية و بغض النظر عن صحتها أو العكس تشكل نقطة مركزية أساسية في هذا السياق. فحتي القائلين بعروبة السودان يقرون و يجمعون بأن هذه العروبة هي نتاج تهاجن بين العربي (الأب النقي) مع الأفريقي (الأم غير النقية في التصور المتعالي) إذا فالسوداني و إن تم التسليم و لو جدليا بعروبته فهو يحمل مكونا بيولوجيا دونيا حسب تصور الأبيض النقي مما ينقص من درجة نقاء عروبته لذلك تبقي محاولات فرزه عن العرق العربي الصافي و النقي من قبل هذا العرق و إقصائه و إزاحته في إتجاه الطرف الأدني عرقيا (الأم الزنجية). و بالتالي فالعربي لديه شعور مقيم بأنه مطالب علي الدوام بألا لا يألو جهدا صوب التمايز عن السوداني (الأسود) الذي يهدد نقاءه المتوهم بمحاولته الإنتساب إليه.
فالأنا المتعالية (يمثلها العربي هنا) دائما ما تعاني قلقا وجوديا مزمنا تجاه الآخر النسبي الدوني (يمثله السوداني هنا) من منظورها المتعالي و لا تعاني ذات القلق تجاه الآخر المطلق. فالآخر المطلق و لو كان دونيا من منظور الأنا المتعالية فهو لا يشكل خطرا لأنه يكون متمايزا و لا يشاطر هذه الأنا جوهرا ما أو يلتقيها في نقطة ما. علي العكس من الآخر النسبي الذي يقاسم هذه الأنا جوهرا ما أو ظرفا ما.


فالسوداني يشكل آخرا نسبيا دونيا للأنا العربية المتعالية (من منظورها المتوهم) من واقع مشاطرته و مقاسمته أو مزاحمته للعربي
ظرفا جدليا ذاتيا مفتوحا (العرق العروبي النقي)
و ظرفا موضوعيا ثقافيا (اللغة و الثقافة العربية)
و ظرفا موضوعيا جغرافيا (الوطن العربي)
و ظرفا موضوعيا سياسيا (جامعة الدول العربية).


و بالتالي فهذا القلق الوجودي من قبل الأنا العربية تجاه السوداني يظل هاجسا مقيما يحوط العربي بحوافه المدببة فيلجأ إلي الإحتماء و التمترس خلف إستعلائه الأجوف المبطن كمعادل موضوعي يكون فيه المتنفس لهذا القلق.