ما بين الممكن و الحتمي...الوحدة العادلة أم الإنفصال الجاذب

ما بين الممكن و الحتمي و ما بين الصدفوي و المحتمل يبقي مصير هذا الوطن الجريح مفتوحا علي أفق ضبابي الرؤية و تبقي محاولة الإرتهان إلي أي تنبؤ أو إستقراء لسيرورة الأحداث و من ثم نتائجها كالضرب في رمال العرافات.


إنه المشهد السياسي و الجغرافي المعقد و العصي علي الحل.


وطن في مأزق تاريخي حاد و في محنة حقيقية قد تتمخض عن إنفصال جزء أصيل عن خارطته.


أدرك أن هاجس الجغرافيا و الإقتصاد هو ما يشغل بال الشمال الآن


و لكن هل ندرك بأن إخوتنا في الجنوب يشغلهم هاجس أكبر وأعمق


هاجس التاريخ و المستقبل قبل هاجس الجغرافيا أو الإقتصاد.


إخوتنا في الجنوب يقض مضجعهم و يقلقهم تاريخ إنسانهم في سودان يرونه قد غمطهم حقهم و قد يفعل في حال قبولهم بالوحدة


بقدر ما يشغلهم مستقبله و حلمه في وطن منفصل يرونه في مرمي إستحقاقهم بالإستفتاء القادم.


لندرك أن إخوتنا في الجنوب يقفون بين خيارين لا ثالث لهما


الوحدة العادلة أو الإنفصال الجاذب.


أما الشعار الذي يسوق له الآن فيما يسمي بالوحدة الجاذبة فهو في يقيني خارج إحداثيات الواقع و المعطيات.


كم يدهشني أن أري القوم يبذلون قصاري جهدهم في سبيل كسب قناعة الجنوبيين بهذا الشعار. هم في سباق محموم مع الزمن في إقامة المشاريع الإقتصادية بالجنوب مع إستغلال كل ما هو متاح في الترويج لهذا الشعار و قد فاتهم أن إخوتنا في الجنوب لا يتوقون إلي الوحدة الجاذبة بقدر ما يحلمون و يتوقون إلي الوحدة العادلة.


لن تكون الوحدة جاذبة لإخوتنا في الجنوب ما لم يؤمنوا بأنها ستكون وحدة عادلة.


فحال كون أن تشبعني خبزا و عسلا بيد منك ثم تصفعني علي ظهر إنسانيتي بالأخري لن يجعلك تكسبني إنسانيا و لا جغرافيا.


ضعني معك في مقام إنساني واحد في وطن يسع الجميع ثم سيان عندي أطعمتني أم لم تفعل.


ثم لما ستكون الوحدة جاذبة لإخوتنا الجنوبيين


و ماذا فعلنا لنجعلها كذلك


هل يكفي إقامة المشاريع الإقتصادية و توفير الخدمات في الجنوب لإقناع الجنوبيين بجدوي و جاذبية الوحدة


أم أن حشد أدوات الماسميديا و فنون البروباغندا في الترويج لها هو ما سيفعل.


لماذا نصر دائما علي إغفال العوامل الإنسانية و الوجودية التي لها سبق التأثير في هذه القضية. مخطئ تماما من يظن أن العوامل الإقتصادية هي فقط ما سيشكل الفيصل في هذا الأمر.
لماذا نتواطأ دائما علي تناول قضية الإنفصال من زاويتها السياسية أو الإقتصادية أو الجغرافية فقط لنغفل جانبا هاما حري به و بنا تناوله و تشريحه بكل شفافية و دون مواربة.
و أعني به تماما عامل الشعور بالإنفصال النفسي و الذاتي المتجذر في إنسان الجنوب تجاه الشمال. و هو العامل الذي عين اليقين عندي سيملك زمام الحسم في صيرورة الأحداث.


موضوعية التناول تفرض علينا ألا نغفل أن تراكم الرصيد المعرفي و الوعي السياسي كميا و نوعيا لإنسان الجنوب من ناحية و تراكم عوامل الشعور بالغبن المتجذر تجاه الشمال بفعل سلوكه الإستعلائي و الإقصائي الممتد عبر الماضي و الراهن قد جعل أبناء الجنوب يعون تماما للمأزق الوجودي و الإنساني الذي يكتنف علاقتهم يالشمال الذي كان و لا يزال لا يستوعب فكرة ان يتساوي معه الجنوب الذي هو في نظره دائما الأقل في سلم المواطنة.
و هي الحقيقة التي تبقي و مهما حاولنا تزيين وجها المهترئ تدوس بثقل مرارتها علي جسد هذا الوطن الجريح.


إذا فطالما بقي هذا الشعور بالإنفصال النفسي و الذاتي مقيما و ضاربا في العمق في واعية إخوتنا في الجنوب فأي حديث عن وحدة جاذبة لن يكون مجديا فإخوتنا في الجنوب يتوقون إلي الوحدة العادلة بحق و ليس إلي تلك الجاذبة بزعم ولاة أمرنا و بعض ولاة أمرهم.


لست من دعاة الإنفصال و لكن موضوعية السياق تفرض علي أن أتساءل


ألا يحق لإخوتنا في الجنوب أن يحوزوا علي وطن ينعمون فيه بكامل إنسانيتهم


ثم إنني أقولها و بكل الصدق


لو قدر لي أن أكون جنوبيا و وفقا للمعطيات الحقيقية لهذا الواقع لترددت ألف مرة في تجاوز خيار الإنفصال و القبول بالوحدة


و من هنا و من نقطة أرخميدس الخارجية و بكامل الحياد أتساءل


هل الوحدة بشكلها الذي يروج له الآن خيار عادل للجنوبيين


و هل ستضمن لهم هذه الوحدة الإستواء مع الشمال في مقام واحد و غير منقوص من المواطنة الكاملة.